أيهما أفضل.. التربية بالضرب أم بالحوار؟
أثار إعلان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في أواخر العام الماضي، نية حكومته تخصيص ميزانية لتوفير مربيات مؤهلات أو مربيات «سوبر» لتعليم الآباء طرق تربية الأبناء عدة ردود أفعال بين معارض ومؤيد.
الإعلان جاء نتيجة انتشار ثقافة العنف بين الأطفال في المجتمع البريطاني، لكنه ايضا فتح ملف اساليب التربية التي يمكن اعتمادها، ومدى نجاح النظريات المختلفة التي ظهرت في السنوات الأخيرة وكان نتاجها جيل متمرد على القانون، وميال إلى العنف وأعمال الشغب، وآباء فقدوا السيطرة على أبنائهم.
فهل نظريات التربية الحديثة التي تنادي بالحوار، ومعاملة الطفل معاملة الند لتشجيعه على التعبير عن شخصيته هي السبب؟ وهل الأسلوب القديم، الذي يتلخص في أمثلة شعبية دارجة مثل: إضرب ابنك واحسن أدبه ما يموت إلا لما يفرغ أجله و«العصا لمن عصا»، وغيرها من الأمثال الشعبية التي تتلخص في ان الضرب وسيلة مهمة للتربية، وتحسين أخلاقيات الطفل، أكثر نفعا على المدى البعيد؟.
تعلق الإعلامية البريطانية والكاتبة المتخصصة في تربية الأطفال راني سينغ على هذا الموضوع بقولها:
«تربية الأطفال ليست من الأمور التي نتعلمها، كآباء وأمهات، في المدارس للأسف، وقلما نكون مستعدين لها، لكننا نتعلمها من آبائنا، وبطريقة لا شعورية إما نتمرد عليها ونتعامل مع أطفالنا بأسلوب يختلف تماما عما تربينا عليه، أو العكس، نكرر نفس الأسلوب بميزاته وسيئاته. ما تعلمته من خبرتي مع الأطفال أننا نحصد ما نزرعه، وكلما ربيناهم على اسس سليمة بتشجيعهم وتحفيزهم كلما كانت النتيجة أفضل من عقابهم وتهديدهم».
وتضيف: «أعتقد ان الآباء هم من يحتاجون إلى تربية وليس الأطفال، لهذا فإن فكرة استحداث مدارس خاصة لهذه الغاية أمر إيجابي أكثر من مربيات «سوبر»، لأن كل حالة تختلف عن غيرها من جهة، ولأن العلاقة بين الآباء والأبناء لا تحتمل أي وساطة. المهم ان العقاب بالضرب مرفوض».
مما لا شك فيه أن الضرب أصبح يقع في خانة الممنوعات التي يمكن معاقبة الآباء والمعلمين عليها في الآونة الاخيرة. فهو حسب الأغلبية، أحد اهم اسباب الشخصية العدوانية من جهة، والخجولة التي تفتقد إلى الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة من جهة ثانية، ودليل على فشل الآباء في التربية،
لكن على الرغم من مرور سنوات عديدة على تلك النظريات التي رفضت الاعتراف بالضرب كأسلوب للتعامل مع الاطفال سواء داخل المنزل او داخل أسوار المدرسة، إلا ان الجدل حول هذه القضية ما زال محتدما ليس في الدول النامية فقط ولكن في الدول المتقدمة أيضا، لأنها حسب البعض لم تعط النتيجة المتوخاة منها.
تقول الدكتورة منى عمر، استشاري طب نفسي الاطفال في جامعة عين شمس: «يجب أن نعترف في البداية ان قضية تربية الابناء هي اهم المشاريع التي يمكن القيام بها في اي مجتمع. فعلى اساسها يتم تنظيم المجتمع ككل، ولهذا تتطلب التربية ان يكون الآباء والأمهات على قدر كبير من الثقافة والوعي بكيفية التعامل مع ابنائهم».
وتتابع: «في البداية يجب أن نتفق على أنه من الطبيعي أن يخطئ الاطفال، وأنه من الطبيعي أيضا ان يصوب الاباء والامهات تلك الاخطاء، ولكن المختلف عليه هو كيفية التصويب. جميع النظريات التربوية والنفسية أجمعت على أن الضرب ليس هو العلاج لسلوكهم المرفوض، بل العكس فإن الضرب قد يكون أهم اسباب إنحرافهم. . . .
الطفل يحتاج إلى الحب والحنان والعطف، وكلها مشاعر تمنحه الاحساس بالأمن والطمأنينة وتجعله ينمو بشكل طبيعي وسليم بعيدا عن المشاعر السلبية، مثل الخوف والقلق والتوتر التي قد تكون المحرك الاول للعدوان في داخله.
فضرب الطفل من الامور التي لم يثبت صحتها في أبحاث التربية النفسية للاطفال وغالبا ما يكون اللجوء اليه نابعا من جهل الام والاب بأساليب التربية الحديثة دون ادراك للاثار السلبية التي قد تنتج عنه.
هناك ايضا نماذج من الاباء والامهات الذين يحاولون فرض سلطتهم على الطفل واسلوب تفكيره وطبائعه بعد ان عانوا هم أنفسهم من العنف في طفولتهم، وهو ما أثبتته دراسة نفسية ذكرت ان %96 من الاباء الذين يضربون أبناءهم تعرضوا للضرب في صغرهم .
هذا بالاضافة الى الاعتقاد الشائع لدى نسبة كبيرة من الاسر في مجتمعاتنا العربية ان الضرب هو الاسلوب الامثل لتحقيق الانضباط المطلوب في شخصية الطفل».وتشير دكتورة منال الى أن بعض الاسر انتبهت الى صعوبة التعامل مع الابناء بالضرب ولكنها لجأت الى أسلوب لا يقل سوءا عنه، وهو اسلوب التهكم والسخرية الذي تكون نتيجته اسوأ، إذ يدمر شخصية الطفل ويفقده الثقة بنفسه» أما السيدة منى، التي تمتهن مهنة الطب ولديها ثلاثة ابناء أكبرهم في السابعة واصغرهم في الثالثة، فلها رأي مخالف عبرت عنه بالقول: «ان كل ما نراه الان من تسيب في اخلاقيات ابنائنا مرجعه الرئيسي اساليب التربية الحديثة التي ظلوا يتحدثون عنها لسنوات».
وتؤكد منى أنها تلجأ الى الضرب في بعض الاحيان، لانه في رأيها، كثيرا ما يكون الوسيلة الصحيحة للتعامل مع الابناء». وتضيف: «عاينت طريقة شقيقتي الكبرى في تربية لاولادها قبل زواجي، وشاهدتها كيف تتعامل معهم بالاسلوب الذي يطلقون عليه «الأسلوب الحديث» وكانت النتيجة انها فقدت السيطرة عليهم، فهم لا يحترمون الكبير أو الصغير، ويفعلون ما يريدون تحت مسمى انهم سيتحملون عواقب افعالهم، لذلك قررت الا أكرر نفس الخطأ، والتزمت مع اولادي الطريقة التي تربينا بها والتي تجمع ما بين الحزم والحنان، واللجوء الى الضرب كوسيلة أخيرة لتقويم السلوك. فإذا كان مدرب الاسود في السيرك يلجأ الى الضرب والعقاب لتمرين الوحوش على طاعته افلا نتبعه نحن مع أبنائنا من أجل مصلحتهم؟».
ويختلف دكتور هاني السبكي استشاري الطب النفسي مع الرأي السابق ويقول: «تكرار عملية الضرب في تربية الابناء تعد من الكوارث لانها تؤدي في بعض الاحيان الى تكوين سلوكيات مرضية من بينها، على سبيل المثال، سلوك الخضوع حيث تنعدم رغبة الطفل في تكوين آراء وقناعات خاصة به، كما ينعدم استعداده للتعبير عن قدراته، وينتابه الشك فيها خوفا من الاتيان بأفعال لا ترضي والديه، وهذا يولد في النهاية شخصية سلبية تجاه الذات».
ويضيف: «هناك دراسة علمية صدرت مؤخرا من جامعة نيو هامبشير البريطانية تؤكد أن التلاميذ الذين تعرضوا للضرب كثيرا في المنزل تدهورت قدراتهم في التفكير والقراءة والحساب.
ولهذا يبقى الحوار افضل الوسائل للتعامل مع الطفل. وبالنسبة للعقاب، من الممكن اتباع العديد من الوسائل الناجعة بدون تجريح أو إهانة، مثل حرمانه من شيء يحبه، مع ملاحظة نقطة هامة هي عدم الضعف او التراجع عن العقاب، الى جانب اختيار العقاب بما يتناسب مع الخطأ الذي تم ارتكابه، وبما يتناسب ايضا مع العمر وقدرة الوالدين على الالتزام به. والاهم هو تعريف الطفل السلوك الصحيح المطلوب منه الاتيان به. وإذا كان لا بد من اتباع الضرب فيكفي شد الاذن كوسيلة للتأنيب».